مميز

مميز (https://www.mmayz.com/index.php)
-   •~ نبضآت إسلآمِيـہ ~• (https://www.mmayz.com/forumdisplay.php?f=34)
-   -   الثبات على الدين (1) (https://www.mmayz.com/showthread.php?t=179107)

حلا ليالي 01-26-2022 09:22 AM

الثبات على الدين (1)
 
الثبات على الدين (1)

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ*مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الْفَاتِحَةِ: 2-4]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ ابْتَلَى عِبَادَهُ بِالدِّينِ، وَشَرَّفَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَطَّ مِنْ قَدْرِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، فَوَصَفَهُمْ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ بِأَنَّهُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ، وَأَنَّهُمْ أَضَلُّ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَأَنَّهُمْ حَطَبُ النَّارِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» فَلَمَّا سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: «إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاثْبُتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ بِكُلِّ أَحْكَامِهِ وَتَفْصِيلَاتِهِ؛ فَإِنَّ الثَّبَاتَ عَلَيْهِ عِزٌّ فِي الدُّنْيَا، وَفَوْزٌ أَكْبَرُ فِي الْآخِرَةِ، وَالثَّبَاتُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَصِيَّةُ الْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِي إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 132].

أَيُّهَا النَّاسُ: أَعَزُّ شَيْءٍ عَلَى الْإِنْسَانِ دِينُهُ، وَأَغْلَى مَا يَمْلِكُ مُؤْمِنٌ إِيمَانُهُ، وَلَا شَيْءَ يَعْدِلُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ إِسْلَامَهُ؛ لِأَنَّ سَعَادَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، وَلِأَنَّ مَصِيرَهُ مُرْتَهِنٌ بِهِ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [الْمُدَّثِّرِ: 38]، ﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ﴾ [النَّازِعَاتِ: 35]، وَالْإِسْلَامُ وَأَحْكَامُهُ أَعْظَمُ مَا يَسْعَى إِلَيْهِ بَشَرٌ وَأَنْفَعُهُ فِي الدَّارَيْنِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْقِلُونَ ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُهُ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ ضَعِيفُ إِيمَانٍ يَتَزَعْزَعُ إِيمَانُهُ عِنْدَ الْبَلَاءِ؛ فَيُقَدِّمُ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، وَلَرُبَّمَا خَسِرَهُمَا جَمِيعًا.

وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ فِي الْقُرْآنِ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِأَنَّهُ يُصِيبُهُمْ بِالْبَلَاءِ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الثَّبَاتِ؛ لِيَهْتَدُوا إِذَا ابْتُلُوا، وَيَعْلَمُوا إِذَا فُتِنُوا، فَيَثْبُتُوا وَلَا يَفْتَتِنُوا؛ ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 142]، ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 168]، ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 35]، ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 2-3]، ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [مُحَمَّدٍ: 31].

فَمَنْ ثَبَتَ فِي الْبَلَاءِ، وَحَافَظَ عَلَى دِينِهِ، وَاطْمَأَنَّ بِالْإِيمَانِ قَلْبُهُ، كَانَ لَهُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَوْزُ الْأَكْبَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَمَّا فَوْزُ الْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ الْجَنَّةَ جَزَاءُ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلَّا بِالثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ إِلَى الْمَمَاتِ. وَأَمَّا نَصْرُ الدُّنْيَا فَوَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مُحَقَّقٌ، جَاءَ الْخَبَرُ عَنْهُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 34]، فَنَصْرُهُمْ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُبَدَّلُ قَدَرُهُ، وَلَا يَتَخَلَّفُ وَعْدُهُ، وَفِي آيَاتٍ أُخْرَى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يُونُسَ: 103]، ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النُّورِ: 55]، ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الرُّومِ: 47]، ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ*إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ*وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 171-173]، ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غَافِرٍ: 51].

وَإِذَا اسْتَبْطَأَ الْمُؤْمِنُونَ النَّصْرَ فَإِنَّهُ قَرِيبٌ؛ ﴿ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 214]، ﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصَّفِّ: 13]. وَقَدْ جَمَعَ اللهُ تَعَالَى لِلثَّابِتِينَ كِلَا الأَمْرَينِ فِي قَولِهِ تَعَالَى ﴿ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ﴾ [آل عمران: 148] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى ﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ﴾ [التوبة: 52].

وَالثَّبَاتُ عَلَى الدِّينِ هُوَ النَّصْرُ الْحَقِيقِيُّ، وَلَوْ قُطِّعَتِ الْأَجْسَادُ، وَهُجِرَتِ الدِّيَارُ، وَذَهَبَتِ الْأَمْوَالُ، وَهَلَكَتِ الْأَنْفُسُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَهْمَا عُمِّرَ فِي الدُّنْيَا وَتَمَتَّعَ بِهَا فَمَآلُهُ إِلَى الْمَوْتِ وَالْحِسَابِ؛ وَلِأَنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا إِلَى زَوَالٍ؛ فَهِيَ دَارُ فَنَاءٍ، وَلَيْسَتْ دَارَ بَقَاءٍ. وَهَذَا الْمَعْنَى كَانَ يَغْرِسُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ وَيُقَتَّلُونَ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ يَمُرُّ بِالْمُؤْمِنِينَ الْمُعَذَّبِينَ، وَيُبَشِّرُهُمْ بِالْجَنَّةِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِعَمَّارٍ وَأَهْلِهِ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ، فَقَالَ: أَبْشِرُوا آلَ عَمَّارٍ وَآلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَلَمَّا اشْتَكَى بَعْضُ الصَّحَابَةِ شِدَّةَ مَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْعَذَابِ، وَطَلَبُوا مِنْهُ الدُّعَاءَ؛ حَثَّهُمْ عَلَى الثَّبَاتِ بِذِكْرِ أَحْوَالِ الثَّابِتِينَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّبَاتَ عَلَى الدِّينِ هُوَ النَّصْرُ الْحَقِيقِيُّ، وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِلنَّصْرِ الْمَادِّيِّ، وَيَفُوقُهُ فَضْلًا وَأَجْرًا، وَلَا يَتَحَقَّقُ النَّصْرُ الْمَادِّيُّ إِلَّا بِتَحْقِيقِ الثَّبَاتِ مَعَ الْيَقِينِ بِحُسْنِ الْعَاقِبَةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ وَلَا يَفْعَلُهُ، بَلْ كَانَ فِعْلُهُ فِي الثَّبَاتِ يَسْبِقُ قَوْلَهُ فِي تَثْبِيتِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوذِيَ فِي مَكَّةَ أَذًى شَدِيدًا، فَخَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ يَرْجُو إِيمَانَهُمْ، وَيَلْتَمِسُ نُصْرَتَهُمْ، فَآذَوْهُ وَأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ فَقَذَفُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أَدْمَوْهُ، فَأَرَادَ الْعَوْدَةَ إِلَى مَكَّةَ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ أَخْرَجُوكَ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا زَيْدُ، إِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ». وَلِسَانُ حَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِكُلِّ الْمُعَذَّبِينَ مِنْ أُمَّتِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ: اصْبِرُوا عَلَى الْأَذَى كَمَا صَبَرْتُ، وَاثْبُتُوا عَلَى دِينِكُمْ كَمَا ثَبَتُّ، وَأَيْقِنُوا بِنَصْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَيْقَنْتُ؛ تُنْصَرُوا كَمَا نُصِرْتُ، وَيُهْزَمُ أَعْدَاؤُكُمْ كَمَا هُزِمَ أَعْدَائِي؛ ﴿ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 7- 8].

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَاثْبُتُوا عَلَى دِينِ الْحَقِّ إِلَى الْمَمَاتِ؛ ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 27].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَعُدُّونَ الثَّبَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ إِلَى الْمَمَاتِ فَوْزًا مُبِينًا، وَلَوْ فَقَدُوا الدُّنْيَا بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ، وَيَرَوْنَ أَنَّ الْهَزِيمَةَ فِي التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَالِانْتِكَاسِ وَالْحَيْدَةِ عَنِ الْحَقِّ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قِصَّةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي حَادِثَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ حِينَ قُتِلُوا غَدْرًا وَغِيلَةً، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ -وَكَانَ خَالَهُ- يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، قَالَ بِالدَّمِ هَكَذَا، فَنَضَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»، فَعَدَّ مَوْتَهُ عَلَى الْإِيمَانِ فَوْزًا. وَقُتِلَ بَقِيَّةُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، «فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ، فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ». وَهَذَا أَعْظَمُ الْفَوْزِ، مَعَ أَنَّهُمْ قُتِلُوا وَفَارَقُوا الدُّنْيَا، وَفَقَدَهُمْ أَهْلُهُمْ وَأَحْبَابُهُمْ.

وَكَانَ سَلَفُ الْأُمَّةِ يَعُدُّونَ الثَّبَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ فَوْزًا مَهْمَا فَقَدُوا مِنَ الدُّنْيَا، وَمَهْمَا قَلَّ عَدَدُهُمْ، وَكَثُرَتْ أَعْدَادُ مُخَالِفِيهِمْ، وَلَمَّا اشْتَدَّتِ الْمِحْنَةُ، وَكَثُرَ أَهْلُ الْبِدْعَةِ، وَقَوِيَ جَانِبُهُمْ؛ قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَوَلَا تَرَى الْحَقَّ كَيْفَ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْبَاطِلُ؟ قَالَ: كَلَّا، إِنَّ ظُهُورَ الْبَاطِلِ عَلَى الْحَقِّ أَنْ تَنْتَقِلَ الْقُلُوْبُ مِنَ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَةِ، وَقُلُوبُنَا بَعْدُ لَازِمَةٌ لِلْحَقِّ». وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «فَأَهْلُ الْيَقِينِ إِذَا ابْتُلُوا ثَبَتُوا؛ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّ الِابْتِلَاءَ قَدْ يُذْهِبُ إِيمَانَهُ أَوْ يُنْقِصُهُ. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 24]، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 173]، فَهَذِهِ حَالُ هَؤُلَاءِ».

وَالَّذِي يَعِيشُ لِنَفْسِهِ وَشَهَوَاتِهِ لَا لِدِينِهِ وَمَرْضَاةِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ يَعِيشُ صَغِيرًا ذَلِيلًا، وَيَمُوتُ صَغِيرًا ذَلِيلًا، وَيُبْعَثُ صَغِيرًا ذَلِيلًا. وَالَّذِي يَثْبُتُ عَلَى إِيمَانِهِ يَعِيشُ كَبِيرًا عَزِيزًا، وَيَمُوتُ كَبِيرًا عَزِيزًا، وَيُبْعَثُ كَبِيرًا عَزِيزًا، وَمَهْمَا فَعَلَ الْأَعْدَاءُ بِهِ لَا يَنَالُونَ مِنْهُ شَيْئًا. وَالَّذِي يَجْعَلُ إِيمَانَهُ مَطِيَّةً لِلنَّصْرِ وَالظَّفَرِ حَرِيٌّ أَنْ يَتْرُكَهُ إِذَا هُزِمَ أَوْ أُوذِيَ فِيهِ وَابْتُلِيَ بِسَبَبِهِ. وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَجْعَلَ دِينَهُ وَإِيمَانَهُ وَمَرْضَاةَ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ الْغَايَةَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةَ، فَإِنْ عَاشَ عَاشَ سَعِيدًا، وَإِنْ مَاتَ مَاتَ عَزِيزًا حَمِيدًا.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

الــوافــي 01-26-2022 11:36 AM

رد: الثبات على الدين (1)
 
*,

جزاك الله خير
طرح يفوق الجمال
كعادتك إبداع في صفحآتك
يعطيك العافيه يارب
وبإنتظار المزيد من هذا الفيض
لقلبك السعادة والفرح
ودي لك

نزف القلم 01-26-2022 12:11 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
الف شكـــر لك
على الطرح الرائع
اثابك الله الاجروالثواب
وجزيتي خيرا
وجعله في ميزان حسناتك
نزف القلم

صدى الحرمان 01-26-2022 02:26 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
جزاك الله خير وجعله بموازين.. حسنااتك..}
لا عدمناا حضوورك
لروحك احترامي وتقديري


http://www.lakii.com/vb/smile/9-45.gif

حلا ليالي 01-26-2022 04:27 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
الوافي
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

حلا ليالي 01-26-2022 04:27 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
نزف القلم
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

حلا ليالي 01-26-2022 04:28 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
صدى الحرمان
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

توت احمر 01-26-2022 05:16 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
أثابك الله الأجر ..
وَ أسعد قلبك في الدنيا وَ الأخرة
لروحك اجمل ff1 (8).png

طلة سحابه 01-26-2022 06:55 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
http://a-3amry.com/up/uploads/163791518367121.gif

جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما


http://a-3amry.com/up/uploads/163791518390962.gif

لِين 01-26-2022 08:41 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
_


جزآك الله خيراً
وجُعل م قدم في ميزآن حسنآتك .

حلا ليالي 01-26-2022 08:51 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
توت احمر
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

حلا ليالي 01-26-2022 08:51 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
طله سحابه
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

الجريحه 01-27-2022 04:34 AM

رد: الثبات على الدين (1)
 
جزاك الله خير
وبارك الله فيك
وجعلها في موازين حسناتك
وأثابك الله الجنه أن شاء الله

الملك المخلوع 01-27-2022 11:26 AM

رد: الثبات على الدين (1)
 
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
تقديري

سليدا 01-27-2022 02:31 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 

ما شاء الله
جميـــــــــــل جدا
بارك الرحمن فيكِ وجزاكِ خير الجزاااااء
و رزقنا الله وإياكي حسن الظن به وحق التوكل عليه
شكرا لك على الموضوع القيم و المفيد للجميع

حلا ليالي 01-27-2022 04:22 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
الجريحة
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

حلا ليالي 01-27-2022 04:23 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
الملك المخلوع
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

حلا ليالي 01-27-2022 04:23 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
سليدا
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك
على المرور العطر

بـہۣۗـتـہۣۙول ❥ ·´¯) 01-27-2022 09:56 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك
ونفعنا الله وإياك بما تقدمه

الدكتور على حسن 01-27-2022 10:29 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
كل الشكر وكل التقدير
لحضرتك
على روعة ما قدمت لنـــا
من موضوع اكثر من رائع
اللهم اكرمك وأسعدك وبارك فيك
ربنا يجعل كل ما تقدمونه
في موازين حسناتكم
ويجازيك عنا خير الجــزاء
يااااااااااااااااارب
لك كل تحياتى وتقديرى وحبى
الدكتــور علــى
http://www.r-eshq.com/vb/images/smilies/rose.gifhttp://www.r-eshq.com/vb/images/smilies/64.gif
http://www.r-eshq.com/vb/images/smilies/rose.gif

imported_ريآن 01-28-2022 01:56 AM

رد: الثبات على الدين (1)
 
[align=center][tabletext="width:90%;background-image:url('http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1400844232_619.gif');"][cell="filter:;"][align=center][align=center][tabletext="width:80%;background-image:url('http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1376654733_747.gif');"][cell="filter:;"][align=center][align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1376653080_319.gif');"][cell="filter:;"][align=center]




جزيتم الجنان
ورضى الرحيم الرحمن
أدام الله سعادتكم
ودمتم بــ طاعة الرحمن

ريان



[/align][/cell][/tabletext][/align][/align][/cell][/tabletext][/align][/align][/cell][/tabletext][/align]

عابر سبيل 01-28-2022 05:58 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
حلا ليالي

ما شاء الله .. تبارك الرحمن في علاه
أشكرك علي هذا الطرح الرائع كروعتك
بارك الله فيك واثابك بقدر كل هذا العطاء
ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة
وكتبه في ميزان حسناتك
تحياتي وتقديري لكم

https://upload.3dlat.com/uploads/136182293111.gif

إيليف 01-28-2022 09:10 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
•.

سلمت أناملك على الطرح المميّزhttps://a-al7b.com/vb/images/smilies/241.gif
ويعطيك العافية على المجهود المبذولhttps://a-al7b.com/vb/images/smilies/ff1 (27).gif
ما ننحرم من فيض عطائك وإبداعكhttps://a-al7b.com/vb/images/smilies/241.gif
لك تحياتي وفائق شكريhttps://a-al7b.com/vb/images/smilies/ff1 (27).gif
ولك كل الودhttps://a-al7b.com/vb/images/smilies/241.gif


عواد الهران 02-12-2022 02:48 PM

رد: الثبات على الدين (1)
 
بارك الله فيك

جزاك الله خير الجزاء,

والتميز بكمن بما نستفيد ونفيد,

وقمة التفاعل:

بالرد عليكم ,وتلقي ردودكم الكريمه.


الساعة الآن 08:50 AM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2025, hyyat

الموضوعات المنشورة في المنتدى لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع انما تعبر عن رأي كاتبها فقط