مميز

مميز (https://www.mmayz.com/index.php)
-   •~ الحج والعمرة ~•
(https://www.mmayz.com/forumdisplay.php?f=123)
-   -   المَعالِمُ الحَضاريّة لِلحج (https://www.mmayz.com/showthread.php?t=145674)

نزف القلم 07-01-2021 02:42 PM

المَعالِمُ الحَضاريّة لِلحج
 
[frame="10 80"]
بسم الله الرحمن الرحيم
[ - الحضارة في الّلغة مأخوذٌة من الفعل حَضَرَ ، و هي عكس البداوة ، إذ تعني : { الإستقرار و النمو } .
- و هي اصطلاحاً تعني : { مجموعة المظاهر العلميّة ، و الثّقافية ، و الأدبيّة ، و الفنِّيَّة الإجتماعية الموجودة في مجتمع ما } .
و كل حضارة جاءت متمّمةً للحضارة التي سبقتها ، و تُسهم هذه الحضارات في البناء الحضاري الإنساني للعالم بأكمله .
- و أما الحج كما جاء في " لسان العرب " فهو : { القصد } ، حَجَّ إلينا فلانٌ أي قَدِمَ .
- و الحج : { قصد التوجه إلى البيت بالأعمال المشروعة فرضاً و سُنَّةً } .
- و هو : { قصد الكعبة لأداء أفعال مخصوصة } .
- أو هو : { زيارة مكان مخصوص ، في زمن مخصوص ، بفعل مخصوص } .
و هي عبادة عظيمة اشتملت على جملة من المقاصد و الغايات ، و من ذلك اشتمالها على مجموعة من المعالم الحضارية ، و من أهمها :
١ - القِدَم في أعماق التاريخ و الإستمرارية :
كلما كانت الحضارة عميقة في جذور التاريخ و مستمرة كانت أقوى و أرسخ ،
و هو ما خصّ الله به هذه الأمّة إذ أورثها أقدم بيت في التاريخ :
( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) آل عمران : ٩٦ ،
فهذه الأولية انتظرت هذه الأمة حِقَباً متطاولة تكريماً و تفضيلاً .
و بعد نيل الأمة لها استمرت على رعاية البيت و حراسته ، و ظل شامخاً عظيماً يستقبل زواره و قاصديه على الدوام ، فهذا القِدَم و الإستمراية دلالة على رسوخ الحضارة الإسلامية و عظمتها .
٢ - الإتصال بقيم التوحيد و العبودية :
فالحضارة لها مكونان : مادي و معنوي ، متى ما تأخر أحدهما انهارت .
فالجانب المادي واضح ، و أما المعنوى فهو اتصال البيت بعقيدة التوحيد في أبهى معانيها :
( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) الحج : ٢٦ .
فالعقيدة هي المدد الروحي لاستمرار الحضارة الإسلامية و استدامة قوتها و اتصال سيرها و ترابطها .
٣ - التواصل الحضاري :
إن تواصل الحضارة الإسلامية بالحضارات القديمة لَهُوَ عامل قوة و ثراء ،
فقد جمع الله حول البيت أعظم مكونين حضاريين للإنسانية و هما : حضارتا الفرات و النيل ؛
ليجتمع الساميون و الحاميون في لقاء تاريخي بديع إذ يتزوج إمام الحنفاء إبراهيم - عليه السلام - " الكلداني " القادم من العراق مهد أعظم الحضارات الإنسانية بالأميرة النوبية هاجر التي تنتمي إلى
كوش بن حام بن نوح المنتمية لحضارة النوبة مهد الحضارات الإنسانية ؛
و تنجب الحضارتان جد العرب المستعربة إسماعيل - عليه السلام - و الذي يتزوج من العرب المُساكِنِين له حول البيت .
هذا التلاقي الرائع أعطانا امتداداً و تواصلاً حضارياً بديعاً ليحقق عالمية حَمَلَة الرسالة الخاتمة و الذين ينتمون إلى كل العالم القديم لتتحقق إنسانية الرسالة و عالميتها ،
و البيت الحرام هو الرمزية العبقرية لهذا الألق و البهاء و الإشراق .
٤ - رسوخ مركز الحضارة على مدى الأزمان :
إن الحرمين الشريفين هما مركز الحضارة الإسلامية ، و من العجيب أنه فى فترات ضعف و انهيار حكومات المسلمين فقد ظل هذا المركز محافظاً على قوته و إلهامة غير متأثر بحالة الضعف التي تعتري مسيرة الأمة الإسلامية ؛
مع أنه في حالة إنهيار معظم الحضارات فإنه في الغالب تنهار مراكزها كما حدث للحضارة النوبية و البابلية و الفرس و الروم ، فبمجرد إنهيار الدولة ينهار المركز عدا هذه الأمة التي ميزها بمركز قوى لا ينهار أبد الدهر ، و هذا مَعْلَمٌ حُقَّ للأمة أن تفاخر به .
٥ - رمزية البيت الحرام :
لقد ظلت الكعبة المشرفة من يومها الأول تمثل صرحاً حضارياً شامخاً لجميع البشر ،
و هي حرم الله تشريفاً لمكانتها عند الله ، يقول الله تعالى :
( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ ) آل عمران : ٩٦ .
و كانت حرمته قديمة و باقية عبر العصور ، فإن العرب في الجاهلية تعرف هذه الحرمة و عظمتها ،
ثم جاء الإسلام لإبراز تلك الحرمة و بيانها و هي ميزات خالصة لهذا البيت عند الله .
و كانت البيوت تُبْنَى قبل بناء إبراهيم - عليه السلام - الكعبة ، لكنها لم تُبَوَأْ هذه المكانة في تاريخ البشرية ؛ بل لم تقاربها ،
و يلوح هذا المعنى بجلاء أكثر لو تأملنا قوله تعالى :
( فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) آل عمران : ٩٧ ،
فيه تنويه لبعض معالم حضارية خالدة في هذا البيت المبارك ، سَمَّاها ( آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ ) ،
إشارة إلى آثار محسوسة خلدها التاريخ ، منها :
الحجر الأسود ، و مقام إبراهيم - عليه السلام - و هما ياقوتتان من الجنة كما صح بذلك الخبر ، و منبع زمزم و غيرها .
و تتصل الرمزية بوفود و مواكب الأنبياء و الرسل الحجيج إليه :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ سَبْعُونَ نَبِيًّا ، مِنْهُمْ مُوسَى ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ و َعَلَيْهِ عباءتانِ قَطْوانِيَّتانِ ، وَ هُوَ مُحْرِمٌ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إِبِلِ شَنُوءةَ ، مَخْطُومٍ بِخِطَامِ لِيفٍ لَهُ ضَفْرَانِ ) حسنه الألباني في "صحيح الترغيب " ، فأَعْظِمْ بها من رمزية وضاءة مميزة .
٦ - المساواة في الحج :
إن من أعظم المعالم الحضارية للحج أن الناسُ مُتساوون في أحكام الحج و مناسكه من حيث الأصل ،
فليس لأحدٍ ميزة على الآخر ، ولا يختصُّ جنسٌ بحُكْمٍ دون آخر ؛
و لهذا لما زعمت قريشٌ في الجاهليَّة أنهم من أهل الحرم فلا يخرُجون من الحرم إلى عرفة ، فكانوا يَقفون في مزدلفةَ ، أبطَل الله زعمَهم بقوله :
( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) البقرة : ١٩٩ .
و هذا جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - يُبيِّن كيف أبطَل الرسول صلى الله عليه و سلم هذا الزَّعْم في وصفه لحجِّ النبي صلى الله عليه و سلم قائلًا :
( فسار رسولُ الله صلى الله عليه و سلم ولا تَشكُّ قريش إلا أنه واقفٌ عند المَشْعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسولُ الله صلى الله عليه و سلم حتى أتى عرفة َ، فوجد القُبَّة قد ضُربت له بنَمِرة َ، فنزل بها ، حتى إذا زاغتِ الشمسُ أمرَ بالقَصْواءِ فرُحِلَتْ له ، فأتى بطنَ الوادي ) أخرجه مسلم ،
فيَتبيَّنُ من ذلك أنه لا فرقَ بين قبيلة و أخرى ، أو بين جنسٍ و آخرَ في أحكام النُّسُك .
هكذا تتجلَّى مظاهرُ المساواة في هذا المَشعَر العظيم ، حيث تجتمع وفودُ المسلمين من شتَّى أنحاء المعمورة ليرجعوا إلى ديارهم عاملين بمقتضى هذا المبدأ العظيمِ في الإسلام .
و لعلَّ هذا سرُّ إغتنام النبيِّ المصطفى صلى الله عليه و سلم هذه الفرصةَ الثمينةَ لإرساء دعائمِ هذا المبدأ العظيم في خطبته في حجة الوداع ، حينما خطب في الصحابة قائلًاً :
( يا أيها الناس ، إن ربَّكم واحد ٌ، و إن أباكم واحدٌ ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجمي ، ولا عجميٍّ على عربي ٍّ، ولا أحمرَ على أسود َ، ولا أسودَ على أحمرَ ؛ إلا بالتقوى ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، ألا هل بَلَّغْتُ ؟ ،
قالوا : بلى يا رسول الله ،
قال : فلْيُبلِّغِ الشاهدُ الغائبَ ) أخرجه الإمام أحمد في مسنده .
فما أعظمها من مشاعر حضارية تميزت بها أمتنا و ضاعت تحت أقدام مدعي التطور و التحضر اليوم فبئست إنسانيتهم و خسئت إدعاءاتهم .
٧ - الإهتمام الرسمي و الشعبي بشعيرة الحج :
ظلت الأمة حكاماً و محكومين ترعى عبودية الحج و مقدسات الأمة أتم الرعاية محبةً و حمايةً و تطويراً و ذلك منذ آماد بعيدة و حقب متعددة .
و مع تزايد الحاجة و تطور الحياة إزداد الإهتمام بالحرمين ليواكب ذلك أشد المواكبة ،
و خلال العقود الثلاثة الماضية إلى الوقت الراهن يشهد هذا الحرم المبارك توسعات كبيرة تشمل المشاعر كلها ،
تبرز جهود المملكة العربية السعودية في تفاعلها المتزامن مع معطيات العصر الحضارية ، و تستغل تقنيات مدنية جديدة ، و وسائل حديثة ، لتسهيل أداء المناسك على الحجاج .
هدفها إظهار الجانب الحضاري لهذا الدين و أهله ، و تعامل المسلم مع المعطيات الحضارية و الثمرات العلمية و التقدم المدني في كل مناحي الحياة .
أبرز هذه المظاهر الحضارية الحديثة :
روح التعاون و الإستجابة لمتطلبات ظروف الحج لدى المسلمين ،
و مساعدة الأجهزة الأمنية على تقليل الأخطاء ،
و الإلتزام بالأنظمة و الإستجابة للقوانين ،
و استخدام وسائل النقل من قطارات و سيارات بالطرق السليمة ،
و الترفق في الزحام ، و الحرص على النظافة ، و إعطاء الطرق حقها ،
كلها مظاهر حضارية تليق بالمسلم الذي يستمد منهج حياته من دينه ما يصدر عنه من أخلاق تنشر السكينة و الإطمئنان .
و الجدير بالذكر أن السودان نال شرفاً من ذلك في كسوة الكعبة ، و محمل الكعبة ، و إطعام الحجيج .
٨ - إجتماع الأمة و مظاهر الوحدة :
و هي من أعظم المعالم الحضارية ، فلا يشبه إجتماع المسلمين في عبودية الحج و إنتظام المشاعر للقاصدين خاصة و لغيرهم إجتماع آخر البتة ،
و هو دلالة على عظمة هذا الدين و شعبه لتقريب الأمة و حثها على مظاهر الوحدة و الإعتصام ، و البعد عن الخلاف ، و هو مظهر مدني متحضر عبودي متجذر ، قال تعالى :
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ ) آل عمران : ١٠٣ ،
و قال :
( ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِين َ) الحج : ٣٢ - ٣٤ .
فكل ما يتصل بعبادة الحج يصل الأمة بضرورة الإعتصام و الوحدة ؛ فالإله الواحد و القرآن المتلو و الرسول المتبع و القبلة الواحدة و وحدة الشعائر و المشاعر و المناسك و توقيتاتها و غيرها .
و عليه ؛ فإن هذا الإجتماع المبارك ينبغي أن يُسْتَغَل للمزيد من تعميق أواصر الإخاء الإيماني ، و تقريب وجهات النظر ، و تمديد وسائل التحاور بين علماء الأمة و منظوماتها و منظماتها و دولها ،
و وضع إستراتيجيات كلية للمزيد من الإلتقاء ، و تجسير الهوة ، و التصدي الجمعي لمظاهر الفرقة و الشتات ، فما يجمع الأمة أقوى و أعمق و أكبر مما يفرقها .
ختاماً :
فهذه إلمَاحَات عامة و مختصرة عن بعض المعالم الحضارية_لعبودية الحج
سائلين الله أن يسلم الحجاج ، و يشملنا معهم في الأجر و الثواب ، و يجمعنا بهم في تلك البقاع الطاهرة .
و الحمد لله رب العالمين ] انتهى .
أحمد حامد الجبراوي
[/frame]

عواد الهران 07-01-2021 04:51 PM

رد: المَعالِمُ الحَضاريّة لِلحج
 
بارك الله فيك...

جزاك الله خير الجزاء,

ولك الشكر والامتنان,

والتميز بكمن بما نستفيد ونفيد,

وقمة التفاعل:

بالرد عليكم ,وتلقي ردودكم الكريمه.

قصايد 07-01-2021 07:44 PM

رد: المَعالِمُ الحَضاريّة لِلحج
 
https://2.bp.blogspot.com/-PreHg1ql-...600/245729.gif

SAMAR 07-02-2021 12:42 AM

رد: المَعالِمُ الحَضاريّة لِلحج
 
بارك الله فيك على الموضوع القيم
والمميز وفي انتظار جديدك الأروع
والمميز لك مني أجمل التحيات
وكل التوفيق لك يا رب

حلا ليالي 07-02-2021 11:11 AM

رد: المَعالِمُ الحَضاريّة لِلحج
 
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك

أبو محـمد 07-02-2021 02:50 PM

رد: المَعالِمُ الحَضاريّة لِلحج
 
بارك الله فيكم ولجهودكم
باقات من الشكر والتقدير
وجزاكم الفردوس الاعلى ان شاء الله
وجعله في ميزان حسناتكم
لكم تقديري واحترامي

عابر سبيل 07-03-2021 04:24 AM

رد: المَعالِمُ الحَضاريّة لِلحج
 
نزف القلم

أشكرك علي هذا الطرح الرائع كروعتك
بارك الله فيك واثابك بقدر هذا العطاء
ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة
وكتبه في ميزان حسناتك
تحياتي وتقديري لكم


https://upload.3dlat.com/uploads/13618229301.gif

عيسى العنزي 07-03-2021 02:17 PM

رد: المَعالِمُ الحَضاريّة لِلحج
 
شكرا لك على الموضوع
يعطيك العافيه
احترامي


الساعة الآن 06:05 AM.


Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2025, hyyat

الموضوعات المنشورة في المنتدى لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع انما تعبر عن رأي كاتبها فقط