![]() |
العلم بالله تعالى (1) شرفه ولذته
شرفه ولذته الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، الْمُنَزَّهِ عَنِ الْأَنْدَادِ وَالْأَشْبَاهِ وَالْأَمْثَالِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَخَالِقُ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَجَامِعُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ يَوْمَ الدِّينِ، فَلَا مَفَرَّ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا نَجَاةَ مِنْهُ إِلَّا بِهِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَأَتْقَاهُمْ لَهُ، بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِيُعَرِّفَنَا بِهِ، وَيَدُلَّنَا عَلَيْهِ، وَيُعَلِّمَنَا مَا يَجِبُ لَهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَعَرَّفُوا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ حَيَاتَكُمْ كُلَّهَا؛ فَإِنَّ آيَاتِهِ الدَّالَّةَ عَلَيْهِ مَبْثُوثَةٌ فِي خَلْقِهِ، وَإِنَّ أَسْمَاءَهُ وَأَوْصَافَهُ وَأَفْعَالَهُ مَزْبُورَةٌ فِي وَحْيِهِ؛ فَمَنْ أَدَارَ عَقْلَهُ فِي الْخَلْقِ تَفَكُّرًا أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ عَظَمَةِ خَالِقِهِ سُبْحَانَهُ، وَمَنْ أَدْمَنَ الْقُرْآنَ تِلَاوَةً وَتَدَبُّرًا امْتَلَأَ قَلْبُهُ بِمَعْرِفَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 190- 191]. فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِمْ، وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِهِ سُبْحَانَهُ، وَالْقُرْآنُ أَفْضَلُ الذِّكْرِ. أَيُّهَا النَّاسُ: «الْعِلْمُ الْأَعْلَى هُوَ الْعِلْمُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْأَعْلَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الْأَعْلَى 1]، فَالْعِلْمُ بِهِ أَعْلَى الْعُلُومِ، وَإِرَادَةُ وَجْهِهِ أَفْضَلُ الْإِرَادَاتِ، وَمَحَبَّتُهُ أَفْضَلُ الْمَحَبَّاتِ». «فَالْعِلْمُ الْأَعْلَى عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ الْعِلْمُ بِاللَّهِ تَعَالَى، الَّذِي هُوَ فِي نَفْسِهِ أَعْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْعِلْمُ بِهِ أَعْلَى الْعُلُومِ مِنْ كُلِّ وَجْهِ، وَالْعِلْمُ بِهِ أَصْلٌ لِكُلِّ عِلْمٍ». وَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْعِلْمِ بِهِ سُبْحَانَهُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَعَلَّمَنَا مَنْ هُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهَاكُمْ جُمْلَةً مِنَ الْآيَاتِ ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 209]، ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 34]، ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 40]، ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [هُودٍ: 14]، ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 98]، ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الْحَدِيدِ: 17]، ﴿ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 97]، ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطَّلَاقِ: 12]. وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ هِيَ أَفْضَلُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا كَانَتْ أَفْضَلَ آيَةٍ إِلَّا لِأَنَّهَا أَكْثَرُ الْآيَاتِ تَعْرِيفًا بِاللَّهِ تَعَالَى ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 255]. وَالْفَاتِحَةُ هِيَ أَفْضَلُ سُورَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَنِصْفُهَا الْأَوَّلُ تَعْرِيفٌ بِهِ سُبْحَانَهُ ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الْفَاتِحَةِ: 1 - 4]. وَسُورَةُ الصَّمَدِ تَعْدِلُ ثُلْثَ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهَا سُورَةُ وَصْفِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الْإِخْلَاصِ: 1 - 4]. «وَلَمَّا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْأَوَّلَ الَّذِي خَلَقَ الْكَائِنَاتِ، وَالْآخِرَ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ الْحَادِثَاتُ؛ فَهُوَ الْأَصْلُ الْجَامِعُ؛ فَالْعِلْمُ بِهِ أَصْلُ كُلِّ عِلْمٍ وَجَامِعُهُ، وَذِكْرُهُ أَصْلُ كُلِّ كَلَامٍ وَجَامِعُهُ، وَالْعَمَلُ لَهُ أَصْلُ كُلِّ عَمَلٍ وَجَامِعُهُ. وَلَيْسَ لِلْخَلْقِ صَلَاحٌ إِلَّا فِي مَعْرِفَةِ رَبِّهِمْ وَعِبَادَتِهِ. وَإِذَا حَصَلَ لَهُمْ ذَلِكَ، فَمَا سِوَاهُ: إِمَّا فَضْلٌ نَافِعٌ، وَإِمَّا فُضُولٌ غَيْرُ نَافِعَةٍ؛ وَإِمَّا أَمْرٌ مُضِرٌّ. ثُمَّ مِنَ الْعِلْمِ بِهِ تَتَشَعَّبُ أَنْوَاعُ الْعُلُومِ، وَمِنْ عِبَادَتِهِ وَقَصْدِهِ تَتَشَعَّبُ وُجُوهُ الْمَقَاصِدِ الصَّالِحَةِ، وَالْقَلْبُ بِعِبَادَتِهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ مُعْتَصِمٌ مُسْتَمْسِكٌ، قَدْ لَجَأَ إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ، وَاعْتَصَمَ بِالدَّلِيلِ الْهَادِي وَالْبُرْهَانِ الْوَثِيقِ، فَلَا يَزَالُ إِمَّا فِي زِيَادَةِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَإِمَّا فِي السَّلَامَةِ عَنِ الْجَهْلِ وَالْكُفْرِ. وَبِهَذَا جَاءَتِ النُّصُوصُ الْإِلَهِيَّةُ فِي أَنَّهُ بِالْإِيمَانِ يَخْرُجُ النَّاسُ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ؛ وَضَرَبَ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ -وَهُوَ الْمُقِرُّ بِرَبِّهِ عِلْمًا وَعَمَلًا- بِالْحَيِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ وَالنُّورِ وَالظِّلِّ. وَضَرَبَ مَثَلَ الْكَافِرِ بِالْمَيِّتِ وَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالظُّلْمَةِ وَالْحَرُورِ». هَذَا؛ «وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِنَ اللَّذَّاتِ أَعْظَمُ مِنْ لَذَّةِ الْعِلْمِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَذِكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»، وَلَمْ يَقُلْ: حُبِّبَ إِلَيَّ ثَلَاثٌ؛ فَإِنَّ الْمُحَبَّبَ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا اثْنَانِ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ ذَيْنِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا مِنَ الدُّنْيَا»، وَ«اللَّذَّةُ الَّتِي تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ هِيَ لَذَّةُ الْعِلْمِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَالْعَمَلِ لَهُ». وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ، بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَدْعُوهُ لِلْإِسْلَامِ: «مَا يُفِرُّكَ أَنْ تَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إِلَهٍ سِوَى اللَّهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا تَفِرُّ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَتَعْلَمُ شَيْئًا أَكْبَرَ مِنَ اللَّهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا» ثُمَّ أَسْلَمَ عَدِيٌّ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ. فَطَعْمُ الْإِيمَانِ وَحَلَاوَتُهُ وَبَشَاشَتُهُ مُتَفَاوِتٌ فِي الْمُؤْمِنِينَ بِحَسْبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْعِلْمِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَعَمَلِهِمْ بِمُوجَبِ هَذَا الْعِلْمِ. فَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَكْثَرَ عِلْمًا بِاللَّهِ تَعَالَى، وَعَمَلًا صَالِحًا؛ كَانَ أَكْثَرَ اسْتِطْعَامًا لِلْإِيمَانِ وَحَلَاوَتِهِ وَبَشَاشَتِهِ. فَلْنَزِدْ طَعْمَ الْإِيمَانِ وَحَلَاوَتَهُ وَبَشَاشَتَهُ فِي قُلُوبِنَا بِمَزِيدِ عِلْمِنَا بِاللَّهِ تَعَالَى، وَإِتْبَاعِ الْعِلْمِ الْعَمَلَ. أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [مُحَمَّدٍ: 19]. بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ... الخطبة الثانية الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 123]. أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: «مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ غَايَةُ الْمَعَارِفِ، وَعِبَادَتُهُ أَشْرَفُ الْمَقَاصِدِ، وَالْوُصُولُ إِلَيْهِ غَايَةُ الْمَطَالِبِ، بَلْ هَذَا خُلَاصَةُ الدَّعْوَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَزُبْدَةُ الرِّسَالَةِ الْإِلَهِيَّةِ». «وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ دَعَوُا النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَعِبَادَتُهُ مُتَضَمِّنَةٌ لِمَعْرِفَتِهِ وَذِكْرِهِ. فَأَصْلُ عِلْمِهِمْ وَعَمَلِهِمْ: هُوَ الْعِلْمُ بِاللَّهِ وَالْعَمَلُ لِلَّهِ... وَأَصْلُ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ فِطْرِيٌّ ضَرُورِيٌّ وَهُوَ أَشَدُّ رُسُوخًا فِي النُّفُوسِ مِنْ مَبْدَإِ الْعِلْمِ الرِّيَاضِيِّ؛ كَقَوْلِنَا: إِنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ، وَمَبْدَأُ الْعِلْمِ الطَّبِيعِيِّ؛ كَقَوْلِنَا: إِنَّ الْجِسْمَ لَا يَكُونُ فِي مَكَانَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَعَارِفَ أَسْمَاءٌ قَدْ تُعْرِضُ عَنْهَا أَكْثَرُ الْفِطَرِ، وَأَمَّا الْعِلْمُ الْإِلَهِيُّ: فَمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تُعْرِضَ عَنْهُ فِطْرَةٌ». وَأَقْبَحُ الْجَهْلِ الْجَهْلُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالْجَهْلُ بِمَا يُرِيدُهُ مِنْ عِبَادِهِ، وَمَا عَبَدَ الْمُشْرِكُونَ سِوَاهُ سُبْحَانَهُ إِلَّا لِجَهْلِهِمْ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَعَ قِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ. وَأَشَدُّ جَهْلًا مِنْهُمْ مَنْ جَحَدَهُ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ وَالْعَدَمِيِّينَ وَالشُّيُوعِيِّينَ، مَعَ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ مَنَاهِجَهُمْ عِلْمِيَّةٌ، وَهِيَ مَنَاهِجُ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ. وَلَا يُنْكِرُ دَلَائِلَ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ إِلَّا مُكَابِرٌ ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [النَّمْلِ: 14]، ﴿ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ﴾ [غَافِرٍ: 56]، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَرَضِ قُلُوبِهِمْ، وَعَلَى أَنَّ شَقَاءَهُمْ يُحِيطُ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَالِهِمْ وَمَآلِهِمْ. وَحَرِيٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ أَنْ يَزِيدُوا عِلْمَهُمْ بِاللَّهِ تَعَالَى؛ وَذَلِكَ بِالتَّفَكُّرِ فِي خَلْقِهِ سُبْحَانَهُ، وَالنَّظَرِ فِي آيَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فُصِّلَتْ: 53]، وَكَذَلِكَ بِكَثْرَةِ قِرَاءَةِ كِتَابِهِ الْكَرِيمِ؛ فَإِنَّ كَلَامَهُ سُبْحَانَهُ غَيْرُ كَلَامِ الْبَشَرِ، وَهُوَ مِمَّا يَزِيدُ الْعِلْمَ بِهِ سُبْحَانَهُ. وَأَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ مَبْثُوثَةٌ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ. وَكَذَلِكَ كَثْرَةُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَإِنَّهَا مِنَ الْإِيمَانِ، وَبِكَثْرَتِهَا يَطْمَئِنُّ الْقَلْبُ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقُرْبِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ. وَالْإِيمَانُ وَزِيَادَتُهُ هِبَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يَسْتَحِقُّهَا مِنْ عِبَادِهِ مَنْ قَبِلَهَا وَأَقْبَلَ عَلَيْهَا، وَفَرِحَ بِهَا وَشَكَرَهَا، وَيُحْرَمُ مِنْهَا مَنْ رَفَضَهَا وَضَاقَ صَدْرُهُ بِهَا، وَأَعْرَضَ عَنْهَا وَكَفَرَهَا ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 3]. وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ... |
رد: العلم بالله تعالى (1) شرفه ولذته
شكرا لك على الموضوع
يعطيك العافيه احترامي |
رد: العلم بالله تعالى (1) شرفه ولذته
جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك |
رد: العلم بالله تعالى (1) شرفه ولذته
بارك الله فيك...
جزاك الله خير الجزاء, ولك الشكر والامتنان, والتميز بكمن بما نستفيد ونفيد, وقمة التفاعل: بالرد عليكم ,وتلقي ردودكم الكريمه. |
رد: العلم بالله تعالى (1) شرفه ولذته
جزاك الله خير الجزاء
وشكراً لطرحك الهادف وإختيارك القيّم رزقك المــــــــولى الجنـــــــــــــة ونعيمـــــها وجعلــــــ ما كُتِبَ في مــــــوازين حســــــــــناتك ورفع الله قدرك في الدنيــا والآخــــرة وأجـــــــــزل لك العطـــاء نزف القلم |
رد: العلم بالله تعالى (1) شرفه ولذته
سليدا ما شاء الله .. تبارك الرحمن في علاه أشكرك علي هذا الطرح الرائع كروعتك بارك الله فيك واثابك بقدر كل هذا العطاء ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة وكتبه في ميزان حسناتك تحياتي وتقديري لكم https://upload.3dlat.com/uploads/136182293111.gif |
رد: العلم بالله تعالى (1) شرفه ولذته
جزاكم الله خيراً ونفع بكم
واثابكم الفردوس الاعلى من الجنه وجعل كل ما تقدمونه في موازين حسناتكم لكم مني ارق المنى وخالص التقدير والاحترام |
رد: العلم بالله تعالى (1) شرفه ولذته
جزاكم الله خيراً ونفع بكم
واثابكم الفردوس الاعلى من الجنه وجعل كل ما تقدمونه في موازين حسناتكم لكم مني ارق المنى وخالص التقدير والاحترام |
رد: العلم بالله تعالى (1) شرفه ولذته
جزاگ اللهُ خَيرَ الجَزاءْ..
جَعَلَ يومگ نُوراً وَسُرورا وَجَبالاُ مِنِ الحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحورا جَعَلَهُا آلله في مُيزانَ آعمآلَگ دَآمَ لَنآ عَطآئُگ |
رد: العلم بالله تعالى (1) شرفه ولذته
بوركت جهودك
وسلمت وغنمت بالخير يمناك وجزاك الله خيراا |
الساعة الآن 08:00 PM. |