سعوديون بين المسيحية واليهودية والإلحاد! د. محمد الهرفي قضية (فتاة الخبر) أثارت أسئلة كثيرة، وحركت مياهاً راكدة، وأحدثت ضجة كبيرة في مجتمعنا وفي مجتمعات أخرى؛ عربية وأجنبية! السؤال الكبير الذي تردد علي ألسنة الجميع: كيف يمكن لأي إنسان عاش في مجتمع شديد المحافظة -ظاهرياً على الأقل- وفي بيئة تُعلم أبناءها العقيدة الإسلامية منذ نعومة أظفارهم، أن يترك دينه إلى دين آخر؟! ما الذي يدفع بفتى أو فتاة إلى تحمل متاعب جمة ومتنوعة من أجل دين تربى على أنه باطل وأن أصحابه كفار؟! صدمة المجتمع السعودي بحادثة هذه الفتاة جعلت الكثيرين يشككون في صحة الرواية، مع أنها منظورة في محكمة الخبر، وتحدثت عنها صحافتنا كثيراً وبعض وسائل الإعلام الأخرى، ولكن حجم الصدمة أذهلت الكثيرين، فكان تكذيب الرواية أقرب لهم من تصديقها! أعرف أن هناك حالات أخرى ولكنها لا تكاد تذكر؛ فأحدهم أعلن تنصره وطالب ببناء كنيسة في مكة، وآخرون قيل إنهم تنصروا خارج بلادنا.. ومع هذا كله فهذه حالات نادرة، ولكنها -ورغم ندرتها- شديدة الخطورة، ورسالة واضحة أن مجتمعنا يمر بمرحلة شديدة التعقيد تحتاج إلى إعادة دراسة لكي نحافظ على وحدة هذا المجتمع وتماسكه. سمعت من يقول: إن ترك البعض لدينه لا قيمة له، فهناك مئات يدخلون في الإسلام وبصورة متكررة، فلماذا تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا تنصر عدة أشخاص أو ألحد أشخاص مثلهم؟! وإذا كنت أتفق مبدئياً مع هذا الرأي باعتبار أن الإسلام لن يضره إلحاد من ألحد أو تنصر مئات الأشخاص إلا أنني لا أقبل هذا المنطق في مجتمع محافظ مثل مجتمعنا، لأن دلائله خطيرة وقد لا يكون ما حدث هذه نهاية المطاف! نعم قد أقبله -على مضض- في مجتمع منفتح ولكن حديثنا عن مجتمع سعودي له خصوصيته قد يعصف بكل أنواع الخصوصيات التي نتحدث عنها إذا قبلنا هذه الحالات وكأنها حدث عرضي لا يدل على شيء! فتاة الخبر، كما قالت، وكما جاء في تفاصيل محاكمتها، فإن زميلها في العمل وهو لبناني نصراني استطاع إقناعها بترك دينها! بطبيعة الحال محاولات إقناعها لم تأت بين عشية وضحاها، فأين كانت لقاءاتهما وأين كان أهلها؟! هذا الموظف جاء للتنصير بالإضافة إلى عمله، ومرة أخرى: أين صاحب العمل ولماذا يستقدم أمثال هذا؟! وبحسب صحيفة (عكاظ) فإن الجهات الرسمية حققت معه ثم أطلقت سراحه بكفالة ومنعته من السفر! وأعجب من هذا الإجراء، فإذا ثبت لدى هذه الجهات أن هذا (المنصر) يقوم بهذا الدور في بلادنا ثم عمل على تهريب مواطنة، فهل يكفي هذا الحكم؟! ثم من يضمن عدم سفره هروباً كما فعلت الفتاة ذاتها؟! لا أريد الحديث عن السعودي الذي قام بدور قذر في هذه العملية مقابل بعض المال، وأرجو أن يلاقي جزاءه العادل الذي يعرفه الجميع، فقذارة هذا الرجل وانحطاطه يجعلان الحديث عنه أكبر منه. فتاة الخبر تنصرت بغض النظر عن كل الكلام الذي قيل عنها، أو نسب إليها، فالحقيقة التي أمامنا الآن أنها تنصرت وغادرت السعودية إلى لبنان، كما قيل، ثم إلى السويد، كما قيل أيضاً. والشاب السعودي الذي طالب ببناء كنيسة في مكة، ومثله قلة آخرون نسب إليهم ترك دينهم إلى النصرانية، لا يزال ثابتاً لأننا لم نسمع ما ينفيه. سعودية أخرى -وبحسب بعض المواقف حيث ذكرتها بالاسم والصورة- تزوجت من يهودي وعقد حفل الزواج في أحد فنادق عمان، ثم انتقل بها إلى بلده! وللحقيقة فلم تذكر المصادر هل الرجل يهودي بجنسيته فقط أم بها وبدينه أيضاً. أما ملاحدة قومنا فهم الأكثرية، وهذا أمر طبيعي قياساً مع من يغيرونه، فالإلحاد أسهل بكثير من تغير الدين، ومن يتابع حالات الإلحاد في مجتمعنا يصاب بكثير من الذهول، فهذه أخرى تعجب من يكفرون بالله ورسوله في مجتمع محافظ، ويزيد العجب إذا كان هذا الإلحاد معلناً وبطريقة مستفزة مستهجنة! قد يلحد شخص ويبقى إلحاده سراً وهذا هو الطبيعي لكن أن يعلن ذلك ويتبجح فيه فهذا ما يصعب تصوره ويضع علامات استغراب كثيرة! حالة الكشغري لم تكن الأولى ولم تكن الأخيرة فبعده فعل آخرون مثله وعلى الملأ، وكأن شيئاً لم يكن! ومرة أخرى: لماذا يحصل كل ذلك في مجتمعنا المحافظ المسلم؟! ثم أين دور المصلحين والعقلاء والجهات الرسمية؟! التنصير في بلادنا موجود ولكنه لا يكاد يذكر. فعلى سبيل المثال هناك تقرير أعدته مؤسسة راند الأمريكية المعروفة بصلتها بوزارة الدفاع، وجاء هذا البحث تحت عنوان (كيف نواجه الأصولية الإسلامية) وجاء فيه: إن المؤسسة تطالب أمريكا بالضغط على السعودية لكي تسمح للمسيحيين واليهود ببناء كنائس ومعابد. وجاء فيه أيضاً: إن المجتمع الديمقراطي المدني لا يمكن أن يقبل بأحكام الشريعة الإسلامية! وينقل عن منصرين آخرين قولهم: (لن نتوقف عن التنصير والتبشير إلى أن ترتفع قباب الكنائس والصلبان في السعودية وجميع الدول الإسلامية والعربية) وإذا كان هؤلاء قد نجحوا في تحقيق مآربهم في كل الدول العربية فإنهم عجزوا عن تحقيق شيء يذكر في بلادنا، ولله الحمد. ولأن محاولاتهم لن تتوقف فيجب أن يبقى الجميع حذراً مما قد يقع نظراً لحساسية بلادنا ومكانتها. سأعيد طرح سؤالي السابق مرة أخرى: لماذا ظهرت في بلادنا مثل هذه الحالات؟ وأحياناً بصورة يصعب تصورها مثل حالات الإلحاد والإساءة لرسولنا الكريم ولديننا أحياناً؟! أعرف أنه يصعب تحديد إجابة دقيقة على هذا السؤال لأن العوامل التي تؤدي إلى الانحرافات التي أشرت إليها كثيرة، وما قد يؤثر على شخص قد لا يكون سبباً في التأثير على آخر لأسباب مجتمعية متعددة.. يتحدث المنحرفون عن الحياة الخانقة في السعودية، فكل شيء محرم! كما أن المرأة تعامل بصورة سيئة ومهينة خاصة من رجال الهيئة، ومن الأسرة أحياناً! البعض يتحدث عن الضغوط الاقتصادية وقضايا الفقر وما يتبعه من انحرافات قد توصل إلى الإلحاد! ومع أنني أعتقد أن كل الضغوط التي تخرج عن سماحة الإسلام قد تؤدي إلى الانحراف إلا أن هناك أسباباً أخرى لا تقل أهمية عما سبق أن أشرت إليه. فتاة الخبر -كما هو واضح- لم تخضع لضغوط دينية فهي تعيش في بيئة منفتحة وتعمل في شركة مختلطة، ومثلها عدد من الذين أعلنوا إلحادهم، فهؤلاء لم يعيشوا في بيئات متشددة، إذن أين تكمن مسببات الإلحاد؟! التعليم أولاً، فتعليمنا يلقن طلابنا وطالباتنا نصوصاً شرعية وعليهم حفظها والإجابة عنها في الامتحان ولا شيء آخر! وإذا كان أستاذ المادة يدخل بوجه متجهم ويخرج بمثله، فقد اكتملت حلقات بغض الدين عند الشباب! الإسلام بني على الحب، والحياة كلها قائمة على الحب، فالمسلم يجب أن يحب الله، ويحب رسوله، ويحب المسلمين جميعاً، وكلمة الحب وردت في هذه المواقف كثيرا وهي لم تأت عبثاً بل كانت في مكانها الصحيح! إذ أحب الشاب ربه حباً ينبع من قلبه، وعبده محبة له وليس خوفاً من أبيه أو مجتمعه بقي هذا الحب راسخاً في قلبه حتى يموت.. وكذلك إذا أحب رسوله أطاعه حباً له وشوقاً إليه حتى يلقاه يوم القيامة.. والإعلام هو الآخر يجب ألا يصادم النصوص الشرعية حتى لا تحدث حالة انفصام في شخصية شبابنا، ولكننا نواجه إعلامياً عالمياً يستحيل ضبطه، وهو ميسر لكل أحد، وفيه من الفساد الأخلاقي والديني الشيء الكثير فكيف يمكن لشبابنا التعامل معه؟! هنا يأتي دور الأسرة والمدرسة والمسجد وكل الوسائل الثقافية الأخرى التي تعلم الشاب كيف يستفيد من هذا الإعلام بأقل قدر ممكن من الخسائر. تسهيل الفساد بكل أنواعه والخلوة المحرمة سبيل إلى الانحراف الذي قد يؤدي إلى الإلحاد.. ولأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فعلى أجهزة الدولة أن تتعامل بحزم مع حالات الإلحاد أو تغير الدين، كما عليها أن تتعامل بحزم مع من يحاول التنصير في بلادنا.. بلادنا -أيها الأحبة- لها خصوصية في مثل هذه المسائل؛ فهي قبلة المسلمين وفيها الحرمان الشريفان فلا يصح أن تجعل ألسنة البعض تلوث سمعتها ومكانتها.. ما حدث ناقوس خطر يجب التعامل معه بحذر لكي لا ننجرف إلى مزالق يصعب الخروج منه