الكون امجموعات من آلاف المجرات قد رُصت بإحكام شديد؛ فالخيط الكوني رفيع جداً، وطويل جداً، وعلى الرغم من ذلك نجده محكماً ومشدوداً بقوى كونية عظيمة. وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على عظمة هذه الخيوط ودقة صنعها وإتقانها؟ ومن هنا ربما ندرك لماذا أقسم الله بها في كتابه المجيد: {والسماء ذات الحبك} (الذاريات:7). جاء "القاموس المحيط" أن "الحَبْكُ -بفتح الحاء وسكون الباء- هو الشد والإحكام، وتحسين أثر الصنعة في الثوب". و(الحُبُك) -بضم الحاء والباء- تجمع عدة صفات، منها أنها تشير إلى نسيج متعدد من خيوط محكمة مترابطة قوية متينة ومتماسكة. وتشير هذه الكلمة أيضاً إلى وجود نظام ما في هذه الخيوط؛ لأن الحائك عندما ينسج الثوب فإنه يستخدم نظاماً محدداً لنسج الخيوط، وهذا النظام يجعل النسيج محكماً، وإلا فإنه سيكون مفككاً وضعيفاً. و(الحُبُك) -كما يقول المفسرون- كلمة تشير إلى النسيج المحكم. وينقل الإمام القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن {الحُبُك} هو الخَلْق الحسن المستوي. والنساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه، يقال منه: حبك الثوب يحبِكه حبكاً، أي: أجاد نسجه. وقال ابن الأعرابي: "كل شيء أحكمته وأحسنت عمله، فقد احتبكته". وجميع هذه المعاني جمعتها الكلمة القرآنية {الحُبُك} وهذا من إعجاز القرآن أيضاً، أنه يعطينا التعبير الدقيق، ويترك البشر ليبحثوا ويكتشفوا ويغيروا مصطلحاتهم مع مرور الزمن، ولكنهم في النهاية عندما يتوصلون إلى الحقيقة اليقينية، فإنهم يجدونها واضحة في كتاب الله تعالى. وقد فهم علماء الإعجاز العلمي هذه الآية بشكل يوافق الحقائق العلمية المكتشفة في القرن العشرين، ومنهم الدكتور زغلول النجار، الذي تحدث عن هذه الآية بقوله: "هنا يتضح جانب من الوصف القرآني للسماء، بأنها ذات (حُبُك) أي: ذات ترابط محكم شديد، يربط بين جميع مكوناتها، من أدق دقائقها -وهي اللبنات الأولية في داخل نواة الذرة- إلى أكبر وحداتها، وهي التجمعات المجرية العظمى إلى كل الكون". وختم حديثه بقوله: "وقد يرى القادمون في هذا الوصف القرآني ما لا نراه الآن؛ لتظل اللفظة القرآنية مهيمنة على المعرفة الإنسانية، مهما اتسعت دوائرها، وتظل دلالاتها تتسع مع الزمن ومع اتساع معرفة الإنسان في تكامل لا يعرف التضاد، وليس هذا لغير كلام الله". جسم الإنسان من جهة أخرى يتكون جسم الإنسان من أعضاء، كل عضو يتركب من نسيج، والنسيج يتكون من عدة خلايا، وهناك عدد من الأنسجة في جسم الإنسان، وكل منها له وظيفة، مثل النسيج العصبي، فمثلاً، إن أصغر وحدة بنائية في قيام الكائن الحي هي الخلية، والخلية تتكون في أبسط أحوالها من أجزاء بالغة التعقيد، لا يوازيها شيء مما صنعه عقل الإنسان من (كومبيوترات) معقدة وبرامج هائلة، بل وما تحويه كل مصانع العالم ومختبراته. كما يوجد في كل خلية نواة؛ فكل ما نراه في الخلية إنما هو عبارة عن نواة و(سيتوبلازم) فحسب، ولكن تركيب الخلية أعقد من ذلك بكثير، (السيتوبلازم) ليس سائل فحسب، بل يحتوي على العديد من الأجهزة والمركبات الكيميائية، فهناك أجهزة تولد الطاقة التي تحتاجها الخلية تماماً، كمولد الكهرباء (الميتوكندريا)، وهناك أجهزة تعمل على بناء البروتينات التي تحتاجها الخلية (الرايبوسوم)، وهناك أجهزة تنقل المركبات الكيميائية من موقع الى آخر داخل الخلية تماماً، كشاحنات النقل التي تنقل المواد الأولية بين المصانع، وغيرها الكثير من الأجهزة، وباختصار، فإن هذه الخلية الصغيرة جداً هي عبارة عن مصنع يقوم بأعمال يعجز أن يعملها ألف مصنع بهذه الدقة والسرعة.