بسم الله الرحمن الرحيم - إن الذكي هو من يستطيع إيصال دعوته ، وإيضاح الحق الذي لديه ، بأحسن أسلوب ، وأجمل عبارة ، وأروع طريقة .. -- فـهذا أحد الوعاظ دخل على المأمون ووعظه فأغلظ له في القول .. فما كان من المأمون إلا أن قال له : ( مهلاً يا هذا فإن الله قد أرسل من هو خير منك [ يعني : موسى وهارون ] لمن هو شر مني [ يعني : فرعون ] ؛ وقال له : ( فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى ) !! :::::: -فالبشر -– مخلوقات عاطفية ، تروق لسماع الكلمة الجميلة ، وتنفر من سماع التوبيخ والتقريع ، والإنسان كتلة من المشاعر - كما يُقال - ، والله تعالى يقول في محكم الكتاب : ( ولقد كرمنا بني آدم ) . :::: - ولكن لا يُحمل الكلام هذا على غير محمله ؛ فقد يقول قائل : إن هذه دعوة لتمييع الخطاب الدعوي ، وتسخيفٌ لموقف من أراد إنكار المنكرات ، ومناصحة المخالفين .. فأقول : إن مثل هذه المعاني لا مزايدة عليها ولا مشاحة فيها .. فالله تعالى يقول : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) .. - فخيرية أمتنا مقرونة بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن هذا لا يعني هذا أن نجنّب الأسلوب الحسن ، والطريقة الحكيمة ، والعبارة الجميلة ، فهذا هو فقه الدعوة ؛ يقول الحق - تبارك وتعالى - : ( ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) ، ويقول عن مجادلة أهل الكتاب ودعوتهم - وهم كفار - : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) .. ::::::: -لعل من دواعي تفشي هذا البلاء العقيم السقيم - أي : الغلظة والفظاظة هو- الاستعجال المذموم لنتائج الأمور ، وانعدام النظر الثاقب البعيد لما سيؤول إليه واقع الدعوة ؛ فالدعوة ، لا تتأتى إلا بالصبر والرفق .. والحبيب - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نُزع من شيء إلا شانه " [ صححه الألباني : صحيح الجامع ] ؛ ::::::: أما الفظاظة والغلظة فلا نتيجة لها إلا الخسارة ، يقول تبارك وتعالى : ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) .. وكما قيل : ما تستطيع نيله بالإرهاب يسهل عليك بالابتسام .. - ومضة : النفوس بيوت أصحابها فإذا طرقتموها .. فاطرقوها برفق ..