قصيده ابن زيدون ..........بولاده مررت عليها فراقت لي تعتبر هذه القصيدة من أجمل قصائد الغزل في الشعر العربي ، لكونها خرجت من قلب صادق قد اكتوى بنار الهوى، واصطلى بلهيب الجوى ، مدحها الناقدون وأثنوا عليها ثناءً لا مزيدَ عليه ، شاعرها هو ابن زيدون الذي تيتم بالأديبة الشاعرة ( ولادة بنت الخليفه المستكفي بالله تعالى محمد بن عبدالرحمن بن عبيدالله بن الناصر لدين الله الاموي) التي كان حبها للأدب والشعر كبيرًا ، الأمر الذي دفعها لعقد مجلس لها ، يجتمع فيه الشعراء وأهل الأدب ، وكانت لما تملكه من جمال باهر بغية الكثير من الشعراء الذي يدلفون إلى مجلسها ليمتعوا أنضارهم بها وليتغزلوا بجمالها ودلالها ، وكانت هي بنفس الوقت تشعر كل واحد منهم بانجذابها إليه ، ومحبتها له ، فظلت تلعب بمشاعرهم - حبًا للشعر - حتى يقولوه ، وكان مما قالته طمعًا في استثارتهم : انا والله اصلح للمعالي *** وامشي مشيتي واتيه تيها أمكِّنُ عاشقي من صحنِ خدي ***وأعطي قبلتي منْ يشتهيها اشتهرت بهذين البيتين وقيل انها كانت تكتب كل واحد منهما على جهه من ثوبها . وبقيت على هذه الحال مدة من الزمن إلى أن رآها الشاعر ابن زيدون فهام بها ، وعشقها حتى الجنون ، ولم تكن هي بأقل منه عشقًا له ، إلا أنها فارقته ليس كرهًَا له ؛ وإنما لإعجابها بتلك القصائد الغزلية التي شدا بها ابن زيدون ، فأرادت أن تبتعد عنه - مع شوقها إليه - حتى يتعذب بفراقها ويتوجد عليها ؛ لينطق بأعذب الشعر وأجمل القصيد ، فكانت تقول لن أحرم محبي الشعر من شعر ابن زيدون بقربي إليه فكان ما أرادت ، وقال ابن زيدون هذه الأبيات : أضْحى التَّنائي بديلاً من تَدانينا، ***ونابَ عن طيبِ لُقْيانا تَجافينا ألا! وقدْ حانَ صُبْحِ البَيْنِ صَبَّحَنا ***حَيْنٌ، فقامَ بِنا لِلحَيْنِ ناعينا مَن مُبْلِغُ المُلْبِسينا، بانْتِزاحِهِمُ ***حُزْناً، مع الدّهْرِ لا يَبْلى ويُبْلينا أَنَّ الزّمانَ الذي مازالَ يُضْحِكُنا، ***أُنْساً بِقُرْبِهِمُ، قد عادَ يُبْكينا غِيظَ العِدا مِن تَساقينا الهوى فَدَعَوا ***بأَنْ نَغَصَّ، فقال الدّهرُ آمينا فانْحَلَّ ما كان مَعْقوداً بأنفسِنا، ***وانْبَتَّ ما كان مَوْصولاً بأيْدينا وقدْ نَكونُ، وما يُخْشى تَفَرُّقُنا، ***فاليَومَ نحنُ، وما يُرْجى تَلاقينا يا ليت شِعْري، ولم نُعْتِبْ أعادِيَكُمْ، ***هل نالَ حظّاً من العُتْبى أَعَادينا لم نَعْتَقِدْ بَعْدَكُم إلاّ الوفاءَ لَكمْ***رَأْياً، ولم نَتَقَلَّدْ غيرَهُ دِينا ما حَقُّنا أن تُقِرُّوا عينَ ذي حَسَدٍ***بِنا، ولا أن تُسِرُّوا كاشِحاً فينا كُنّا نَرى اليأسَ تُسْلينا عَوارِضُهُ، ***وقد يئِسْنا فما لليأسِ يُغْرينا بنْتُمْ وبِنّا، فما ابْتَلَّتْ جَوانِحُنا ***شوقاً إلَيْكُمْ، ولا جَفَّتْ مآقينا نَكادُ حينَ تُناجيكُمْ ضَمائرُنا، ***يَقْضي علينا الأسى لو لا تَأَسِّينا حالَتْ لِفَقْدِكُمُ أيّامنا، فغَدَتْ ***سوداً، وكانت بكمْ بِيضاً ليالينا إذ جانِبُ العَيشِ طَلْقٌ من تَألُّفِنا،***ومَرْبَعُ اللَّهْوِ صافٍ مِن تَصافِينا وإذ هَصَرْنا فُنونَ الوَصْلِ دانِيَةً ***قِطافُها، فَجَنَيْنا منهُ ما شِينا ليُسْقَ عَهْدُكُمُ عَهْدُ السُّرورِ فما***كُنْتُمْ لأَرْواحِنا إلاّ رَياحينا لا تَحْسَبوا نَأْيَكُمْ عَنَّا يُغَيِّرُنا، ***أنْ طالما غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينا! واللهِ ما طَلَبَتْ أَهْواؤنا بَدَلاً***مِنْكُمْ، ولا انْصَرَفَتْ عَنْكُمْ أمانينا يا سارِيَ البَرْقِ غادِ القَصْرَ واسْقِ بِهِ***مَن كان صِرْفَ الهوى والوُدِّ يَسْقينا واسْألْ هُنالِكَ: هَلْ عَنّى تَذَكُّرُنا ***إلْفاً، تَذَكُّرُهُ أمسى يُعَنِّينا ويا نَسيمَ الصَّبا بَلِّغْ تَحِيَّتَنا ***من لو على البُعْدِ حَيَّا كان يُحْيينا فهل أرى الدّهرَ يَقْضينا مُساعَفَةً ***مِنْهُ، وإنْ لم يَكُنْ غِبّاً تَقَاضِينا رَبِيْبُ مُلْكٍ كأَنَّ اللهَ أنْشأَهُ ***مِسْكاً، وقدَّرَ إنْشاءَ الوَرَى طِينا أو صاغَهُ وَرِقاً مَحْضاً، وتَوَّجَهُ ***مِن ناصِعِ التِّبْرِ إبْداعاً وتَحْسينا إذا تَأَوَّدَ آدَتْهُ، رَفاهِيَةً، ***تُومُ العُقودِ، وأَدْمَتْهُ البُرَى لينا كانتْ لهُ الشّمسُ ظِئْراً في أَكِلَّتِهِ، ***بلْ ما تَجَلَّى لها إلا أَحايِينا كأنّما أُثْبِتَتْ، في صَحْنِ وَجْنَتِهِ،***زُهْرُ الكواكِبِ تَعْويذاً وتَزْيِينا ما ضَرَّ أن لم تَكُنْ أكْفاءَهُ شَرَفا،ً ***وفي المَوَدَّةِ كافٍ من تَكافينا؟ يا رَوْضَةً طالما أَجْنَتْ لواحِظَنا ***وَرْداً، جَلاهُ الصِّبا غَضّاً، ونِسْرينا ويا حَياةً تَمَلَّيْنا، بزَهْرَتِها، ***مُنىً ضُروباً، ولذّاتٍ أَفَانِينا ويا نَعيماً خَطَرْنا، مِن غَضارَتِهِ،***في وَشْيِ نُعْمى، سَحَبْنا ذَيْلَهُ حينا لَسْنا نُسَمّيكَ إجْلالاً وتَكْرُمَةً، ***وقَدْرُكَ المُعْتَلي عنْ ذاكَ يُغْنينا إذا انْفَردْتَ وما شُورِكْتَ في صِفَةٍ ***فَحَسْبُنا الوَصْفُ إيْضاحاً وتَبْيينا يا جَنّةَ الخُلْدِ أُبْدِلْنا، بسِدْرَتها ***والكَوْثَرِ العَذْبِ، زَقُّوماً وغِسْلينا كأنّنا لم نَبِتْ، والوَصْلُ ثالِثُنا، ***والسَّعْدُ قد غَضَّ مِن أَجْفانِ واشِينا إن كان قد عَزَّ في الدّنيا اللّقاءُ بِكُمْ ***في مَوقِفِ الحَشْرِ نَلْقاكُمْ وتَلْقُونا سِرَّانِ في الخاطِرِ الظَّلْماءِ يَكْتُمُنا،***حتى يَكادَ لِسانُ الصّبْحِ يُفْشينا لا غَرْوَ في أنْ ذَكَرْنا الحُزْنَ حينَ نَهَتْ***عَنْهُ النُّهى، وتَرَكْنا الصَّبْرَ ناسينا إنّا قَرَأْنا الأسى، يومَ النَّوى، سُوَراً***مكتوبَةً، وأَخَذْنا الصَّبْرَ تَلْقينا أما هَواكَ، فَلَمْ نَعْدِلْ بِمَنْهَلِهِ ***شُرْباً وإن كانَ يُرْوينا فَيُظْمينا لم نَجْفُ أُفْقَ جَمالٍ أنتَ كوكَبُهُ ***سَالِينَ عَنْهُ، ولم نَهْجُرْهُ قالينا ولا اخْتِياراً تجنَّبْناهُ عن كَثَبٍ،***لكن عَدَتْنا على كُرْهٍ، عَوَادينا نَأْسى عَلَيْكَ إذا حُثَّتْ، مُشَعْشَعَةً ***فينا الشَّمولُ، وغَنَّانا مُغَنِّينا لا أكْؤُسُ الرَّاحِ تُبْدي مِن شَمائلِنا ***سيما ارتِياحٍ، ولا الأَوْتارُ تُلْهِينا دُومي على العَهْدِ، ما دُمْنا، مُحافِظَةً ***فالحُرُّ مَن دانَ إنصافاً كما دِينا فما اسْتَعَضْنا خَليلاً مِنْكِ يَحْبِسُنا ***ولا اسْتَفَدْنا حَبيباً عنْكِ يَثْنينا ولو صَبا نَحْوَنا، مِن عُلْوِ مَطْلَعِهِ، ***بَدْرُ الدُّجى لم يَكُنْ حاشاكِ يُصْبِينا أبْكي وَفاءً، وإن لم تَبْذُلي صِلَةً، ***فالطَّيْفُ يُقْنِعُنا، والذِّكْرُ يَكْفينا وفي الجَوابِ مَتاعٌ، إن شَفَعْتِ بِهِ***بِيضَ الأَيَادي، التي مازِلْتِ تُولِينا عليْكِ مِنّا سَلامُ اللهِ ما بَقِيَتْ***صَبابَةٌ بِكِ نُخْفيها، فَتُخْفينا (اميرتنا وشاعرتنا عمرت عمرا طويلا...ولم تتزوج) منقول: عواد الهران
[img3]https://up.lyaly-alomr.com/do.php?img=3773[/img3]