الفتح الإسلامي لبلاد ما وراء النهر وقد طرق المسلمون هذه البلاد عدة مرات منذ خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه "23-35هـ"، وغزاها -في خلافة بني أمية - عدد من القادة المسلمين إلى سنة "86هـ" منهم: عبيد الله بن زياد، وسعيد بن عثمان بن عفان، والمهلب بن أبي صفرة، وولديه: يزيد والمفضل، ولم تسفر حملات هؤلاء القادة عن فتح وقد انعكست الخلافات والانقسامات التي أعقبت موت معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من "سنة 60هـ" إلى سنة "72هـ" فما أن تمكن عبد الملك بن مروان "65-86هـ" من القضاء على مناوئيه حتى بدأ يولي الفتح الاهتمام الواجب، وكان ولادته على إقليم العراق هم مفتاح النجاح على الجبهة الشرقية، وكان الحجاج بن يوسف الثقفي الذي ولي على العراق والمشرق "سنة 75هـ" ذا فضل كبير بسبب شدته وصرامته في تحقيق قدر كبير من الاستقرار في العراق -ولو ظاهريا- مكَّن من خروج الحملات العسكرية نحو الأقاليم الشرقية" وقد اضطلع بعبء هذه الفتوح ثلاثة من قادة الحجاج المشهورين، وهم: المهلب بن أبي صفرة الأزدي، وقتيبة بن مسلم الباهلي، ومحمد بن القاسم الثقفي. المهلب بن أبي صفرة أما المهلب بن أبي صفرة فقد ولاه الحجاج على خراسان سنة "78هـ"، وقام بفتوح واسعة فيما وراء النهر، وغزى مغازي كثيرة، ففتح مدينة "كش" في مملكة "الصغد"، ووجه منها حملة بقيادة ابنه "يزيد" إلى ملك "الختل" واضطره إلى دفع الجزية. كما فتح يزيد قلعة "نيزك" بإقليم "بادغيس" بين "مرو" و"هرات"، وغزا "خوارزم"، واستطاع المهلب وأبناؤه في مدة عامين تقريبا -أن يعيد هيبة المسلمين في المنطقة، وإن كان لم يوفق في إقامة قواعد ثابتة هناك . فتوحات قتيبة بن مسلم أما المرحلة الحاسمة في الفتح والاستقرار فقد بدأت مع تسلم "قتيبة بن مسلم الباهلي" قيادة جيوش الفتح وولاية إقليم خراسان وبلاد الشرق "سنة 85هـ" وظل واليا عليها إلى سنة "99هـ". وقد كانت الظروف مواتية لقتيبة بن مسلم تماما، فالدولة الأموية كانت عندئذ في أحسن حالاتها استقرارا وهدوءا وثراء عريضا، فاجتمع لقتيبة مهارة القائد وعزم الوالي "الحجاج بن يوسف الثقفي" وتشجيعه، وقوة الدولة وهيبتها، فكانت فتوحاته العظيمة في بلاد "ما وراء النهر". سار قتيبة بن مسلم على نفس الخطة التي سار عليها آل المهلب، وهي خطة الضربات السريعة المتلاحقة على الأعداء، فلا يترك لهم وقت للتجميع، غير أنه امتاز على المهالبة بأنه كان يضع لكل حملة خطة ثابتة، ويحدد لها وجهة معينة، ويجتهد في الوصول إلى ما يقصده، غير عابئ بالمصاعب، معتمدا على الله عز وجل، ثم على بسالته النادرة، وروح القيادة التي امتاز بها، وإيمانه العميق بالإسلام. مراحل فتوحات قتيبة بن مسلم في بلاد ما وراء النهر ولقد مرت خطوات قتيبة بن مسلم في فتح بلاد ما وراء النهر -على مدى عشر سنوات "86-96هـ"- عبر مراحل أربع، حقق في كل منها فتح ناحية واسعة فتحا نهائيا، وثبت أقدام المسلمين والإسلام فيها. وهذه المراحل هي المرحلة الأولى "86-87هـ" وفيها أخضع "قتيبة بن مسلم" إقليم "طخارستان" الواقع على ضفتي نهر "جيحون". ويبدو أن أوضاعه لم تكن قد استقرت للمسلمين تماما منذ أن فتحه الأحنف بن قيس في خلافة عثمان بن عفان. وكانت تلك بداية ناجحة من قتيبة؛ فبدون توكيد أقدامه في "طخارستان" لم يكن ممكنا أن يمضي لفتح "ما وراء النهر". وقد أصبح يتمتع بهيبة كبيرة في تلك البلاد، فما إن يسمع الملوك بمسيره إليهم حتى يسرعوا إلى لقائه وطلب الصلح. المرحلة الثانية "87-90هـ" وفيها فتح "قتيبة" إقليم "بخارى" كله بعد حروب طاحنة وانتظام حملاته عليها. المرحلة الثالثة "91-93هـ" وفيها أكمل فتح حوض جيحون" كله وأتم فتح "سجستان" "92هـ"، وإقليم "خوارزم" "93هـ". وتوج عمله بالاستيلاء على "سمرقند" أعظم مدن ما وراء النهر كلها. ومن جميل ما يروى في فتح سمرقند أن المسلمين حينما دخلوها أخرجوا ما فيها من الأصنام وأحرقوها، وكان أهل سمرقند يعتقدون أن من استخف بها هلك، فلما أحرقها المسلمون ولم يصابوا بأذى أسلم من أهلها خلق كثير. المرحلة الرابعة "94-96هـ" وفيها عبر قتيبة "نهر سيحون"، وفتح الممالك السيحونية الثلاث: "الشاش" و"أشروسنة" و"فرغانة" ثم دخل أرض الصين، وأوغل في مقاطة "سنكيانج"، ووصل إلى إقليم "كاشغر" وجعلها قاعدة إسلامية، وتهيأ لفتح الصين لولا أن وفاة "الحجاج بن يوسف الثقفي" "95هـ"، والخليفة "الوليد بن عبد الملك" "96هـ" جعلته يتوقف عند هذا الحد، لكنه أجبر ملك الصين على دفع الجزية