اسمعنيا بنات حواء 2بقلمى

[صدى الحرمان]

عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت:

تَزوَّجني الزُّبيرُ وما له في الأرضِ مِن مالٍ ولا مَمْلوكٍ ولا شيءٍ، غيرَ فَرسِه، قالت: فكُنْتُ أعلِفُ فرسَه، وأكفِيهِ مَئُونتَه وأَسُوسُه وأدُق النُّوى لناضِحِه - أي جمله الذي يستقى عليه الماء - وأعلِفُه، وأستقي الماءَ وأخْرِز غَرْبَه - أي تخيط دلوه - وأعْجِنُ، ولم أكُن أُحسِنُ أَخبِزُ، وكان يَخْبِزُ لي جاراتٌ من الأنصار، وكُنَّ نِسْوةَ صِدْقٍ.

قالت: وكنتُ أنقُلُ النَّوى من أرضِ الزُّبير التي أقْطَعَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على رأسِي، وهي على ثُلُثي فَرْسَخٍ، قالت: فجئتُ يومًا والنوى على رأسي، فلَقِيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ومعَه نَفَرٌ من أصحابِه، فدعاني، ثم قال: «إِخْ إِخْ» لِيَحْمِلَنِي خَلْفَه، قالت: فاستحييتُ وعَرَفْتُ غَيْرَتَك. فقال: واللهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى على رأسِك أشدُّ من رُكوبِك معَه، قالت: حتى أرسلَ إليَّ أبو بكرٍ، بعد ذلك، بخادمٍ فكَفَتْنِي سِياسةَ الفَرَس، فكأنَّما أعتَقَتْنِي. والحديث في مسلم

ثم انظُر إلى الزُّبَيْر رضِي اللهُ عنه كيفَ كانَ على كل هذا منها، كان شَدِيدًا عليها، فشَكَت إلى أبيها أبي بكر الصديق رضوان ربي عليه، فقال: يا بُنيةُ اصْبِري، فإنَّ المَرْأةَ إذا كانَ لها زَوْجٌ صالِحٌ، ثم ماتَ عنها فلم تَزَوَّجْ بَعْدَه جَمَعَ بينَهما في الجَنَّة.
فلم تأخذه الحمية لابنته ليفسد ما بينها وبين زوجها ويهدم بيتهما، ولم يقل: والله لا تبيتن عنده ليلة بعد الآن.

قال هِشَامُ بنُ عُرْوة: ضَرَب الزُّبَيرُ أسماءَ بنتَ أبي بكرٍ، فصَاحَت بابنها عبدِ اللهِ بنِ الزُّبير فأقبلَ، فلما رآه قال: أمُّك طالِقٌ إن دخلتَ. فقال له عبدُ اللهِ: أتجعل أمي عُرْضةً لِيَمِينِكَ؟ فاقتحم عليه فخلَّصها منه، فبانت منه.

وعلى الرغم من ذلك لم يُخْرِج هذا الزُّبيرَ عن كونه حواريَّ النبي عليه السلام ولم يُخْرِجْه عن كونِه من العشرةِ، بل تظل الأفضلية فيه قائمة إلى يوم يجمع الله الناس لميقات يوم معلوم.
وعلى الجانب الآخر: لو نظرت إلى نساء اليوم لرأيت من حالهن العجب يُشعِل الرجلُ لهُنَّ أصابعَه شَمْعًا ويَكِدُّ يومَه لإرضائهن ويكلف لهن عَرَق القِرْبة ولا يناله منهن إلا السخطُ والضَّجَر وبَطَرُ المَعيشةِ.

وليس نقلي هذا الخبر لتحريضِ الرجال على النساء ولكن لإظهار فارق ما بين حال الصالحات والطالحات من بنات هذه الأيام التي لا يعلم بهن وباعوجاجهن إلا المولى عز وجل.
ووالله ما نظرت إلى بيتٍ خُرِّب إلا ورأيت وراء خرابه - في الأغلب - المرأةُ لا الرجل، وما ذلك إلا لجهلها بعظم حق زوجها عليها، وما الأحاديث المفصلة لذلك عنكن ببعيد، وهذان الحديثان منها، فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لامرأة: «أَتَدْرِينَ مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ؟ لَوْ كَانَ بِأَنْفِهِ قَرْحَةٌ تَسِيلُ قَيْحًا وَصَدِيدًا لَحِسَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ. وهذا رواه الدارقطني في سننه».

وفي الآخر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا وَالَّذِي نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قَرْحَةً تَنْبَجِسُ بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ تَلْحَسُهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ». وهذا رواه أحمد في المسند.

وهذا لا يَمْنَعُ الرجلَ من أن يقوم بحَقِّه عليها من سُكْنى ومَطْعَمٍ وكِسوةٍ ومعاملةٍ بالحسنى، وأن يُقْسِط إليها ويعاشرها بالمعروف، ويكون في مهنتها وقضاء شئونها ما تَيسَّر له، فقد كان صلى الله عليه وسلم - وهو أفضل الخلق - يعمل في مِهْنة أهله، ولكن لكثرة إساءة المرأة وكفرانها العشير شَدَّد الشرع عليها في هذا الجانب لأنه من ناحيتها أكثر وأوفر، وأشنع وأبشع، فالله نسأل أن يصلح أحوالنا وبيوتنا وزواجتنا وأزواجنا وأولادنا وأهلينا آمين يا رب العالمين.